[وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا:] [معنى جور الزمان]
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةًحَتَّى تَحُلَّ بِنَا. [أصناف المسيئين] فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ: مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاََْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ
وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِوَرَجِلِهِ
قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَ دِينَهُلِحُطَامٍيَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍيَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَرٍيَفْرَعُهُ وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَاللهِعِوَضاً! وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاَْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاَْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنًَّى مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلاََْمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةًإِلَى المَعْصِيَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ...